نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأدوار السعودية الخفية وإفشال ريفيرا الشرق, اليوم الأحد 13 يوليو 2025 11:34 مساءً
السياسة لا تدار على المكشوف. ما يظهر للعلن ربما بضع أعشار مما يحاك في الخفاء. السرية مطلب لعدم احتراق الأوراق والملفات. ولا يخضع كل شيء للعلاقات، أو للمال، أو القوة أو الاقتصاد. الدهاء هو أبو جميع ما سبق.
السعوديون يجيدون هذا النوع من الأسلوب في التفكير. يستخدمون الدهاء في كل مناحي السياسة. لأنهم في الأصل أذكياء ويتمتعون بالحكمة والحنكة. وهذه صفات لا تكتسب، إنما تولد مع الشخص الذي تتشكل شخصيته وفق بيئته السياسية والاجتماعية.
حين قلنا إن الرياض مهندسة السلام في الشرق الأوسط؛ علق البعض بأن ذلك من أشكال التطبيل. وفي الحقيقة يصعب علي فهم كيف يكون وعي المرء بسياسة بلاده تطبيل. بينما يفسر الوقوف مع الآخر حتى وإن كان في خانة الأعداء، حرية تعبير!
الرؤية ذاتها التي تحدثنا فيها عن السياسة السعودية وهندستها للسلام، قالتها إسرائيل قبل أيام، لكن بطريقتها الخاصة لا بطريقتنا. يبدو أن تل أبيب تعيش حالة كبرى من الغضب تجاه الرياض.
روى موقع واللا العبري المقرب من الحكومة الإسرائيلية مؤخرا، رواية ألمح فيها إلى استياء إسرائيلي من السعودية. لماذا؟ لأنها تشعر بأن المملكة أفشلت مخطط تهجير أهالي قطاع غزة من أرضهم. وساق الموقع بعضا من الاستنادات، أبرزها، أن التغيير الذي طرأ على رأي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورفضه المقترح بعد قبوله والتسويق له، تشكل بعد زيارته للرياض في مايو الماضي.
سرد الموقع في تقريره «على الرغم من حديث الولايات المتحدة الأمريكية لصالح خطة الهجرة، فإنها في الواقع تتلكأ ولا تتصرف كما توقعت إسرائيل منها. هناك انطباع بأن هذا التحول حدث بعد زيارة الرئيس ترامب للسعودية في مايو الماضي».
صحيح أن تراجع ترامب عن مخططه الذي أعلن عنه، ووضع منشورا على صفحته في منصة تروث عنونه بـ«ترامب غزة»، نقل خلاله فكرة تحويل القطاع إلى مكان حيوي بشكل عصري، يعد ضربة موجعة لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
إنما في الوقت ذاته يشير إلى أن الرئيس الأمريكي يعيش أحيانا حالة من الإعجاب بالمقترحات، وسرعان ما يندفع للتفكير لتحويلها إلى واقع. ما الدليل؟ مشروع ريفيرا الشرق، الذي عاد عنه وقال «لا أحد يجبر سكان غزة على المغادرة»، بعد إعلانه تبنيه، ولاقت تلك الخطوة ردود أفعال عالمية ضخمة، جلها كان إما رافضا للأمر، أو غير مصدق. حتى قضية رفع الرسوم الجمركية كذلك. فقد كرر التراجع عن قراراته أمام مرأى ومسمع العالم.
لا يهمني بصراحة في هذا الصدد، كيف يرى الرئيس الأمريكي قضايا المنطقة والعالم، ولا كيف يتعامل معها، ويفسرها. يهمني بأن التأثير السعودي قد تحقق في هذا الملف تحديدا. أقصد ملف تهجير أهالي قطاع غزة، الذي رفضته المملكة منذ الوهلة الأولى، وقالت رأيها في منابر إقليمية وعالمية.
السؤال، ما الركائز التي استندت عليها الرياض وأقنعت ساكن البيت الأبيض للعودة عن الخطة التي رقص لها نتنياهو رقصة تانغو من شدة الإعجاب والفرح؟ هناك عدة تفسيرات. ما هي؟ أولا: وهذا يقودني لأمر ملفت بدت إشارته واضحة خلال زيارة ترامب للرياض، إذ اتضح أن الرجل - أي الرئيس الأمريكي - يعيش حالة عميقة من الألفة والتقارب مع السعوديين.
ثانيا: علاقته الوثيقة منذ تاريخ بعيد وقبل أن يفكر بالترشح للرئاسة الأمريكية، بقيادات الدولة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان؛ وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
ثالثا: اقتناع ترامب بالرؤية السعودية، بأن ممارسة مزيد من العنف تجاه الفلسطينيين بشكل عام، وأبناء قطاع غزة بوجه خاص، يولد عنفا مضادا بطريقة أو بأخرى.
وقد تأكد ذلك، ما إذا نظرنا لما يسمى «مجموعة أبو شباب»، التي دعت لمتطوعين، وتأسيس لجان شعبية لإدارة الأوضاع في القطاع. حتى إن بينت إسرائيل رضاها عنها وتسليحها لمواجهة حركة حماس، إلا أنها في الوصف والشكل يبدو عليها شكل التطرف والعنف. والخوف أن تنقلب على أهالي القطاع بقادم الأيام، وهذا ما تخطط له حكومة نتنياهو.
أعود لقضية الغضب الإسرائيلي الذي لم تعره المملكة أدنى اهتمام، وأقول إنه ليس نابعا من وقوف الرياض وراء إجهاض مشروع التهجير، الذي كانت تحلم به حكومة نتنياهو، لا بل الأمر أعمق من ذلك، وهو الإيقان المطلق في تل أبيب، بأن السعودية كانت وما زالت لاعبا مهما، يملك أدوات التأثير في دوائر صنع القرار العالمية بالعموم، وفي واشنطن على وجه الخصوص، وفي الوقت ذاته يرفض التقارب والتطبيع معها، دون تحقيق شروطه التي وضعها في مبادرة السلام العربية.
إن الثقل الاستراتيجي السعودي قلب المعادلات وخلط الأوراق التي كانت تسعى تل أبيب لتنفيذها، فقد حملت ملف التهجير وحولته إلى استحقاق لا يمكن أن توقف الحرب على القطاع ما لم يتحقق، وتبخر ذلك الحلم، بالجهود السعودية، التي تجيد تغيير بوصلة الاتجاهات.
المفيد من هذه القصة؛ تعزيز الثقة بالمملكة على نطاق واسع. وهذا مكتسب لم يطلب من أحد. ولم يخدمها فيه أحد. بل عامل متوارث في سياسة صانع القرار.
وعلى من أراد الدليل، النظر للأدوار السعودية الخفية.. في إفشال ريفيرا الشرق.
0 تعليق