نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تأثير دانينغ-كروجر: حين يجهل الإنسان جهله, اليوم الثلاثاء 22 يوليو 2025 08:34 صباحاً
هذا التناقض، الذي يبدو للوهلة الأولى مفارقة نفسية، وُثق للمرة الأولى في دراسة شهيرة أجراها العالمان ديفيد دانينغ وجاستن كروجر عام 1999، ونُشرت في (Journal of Personality and Social Psychology)، وقد بُنيت هذه الدراسة على سلسلة من التجارب أثبتت أن الأفراد الأقل كفاءة لا يفتقرون فقط إلى المهارة، بل كذلك إلى القدرة على إدراك هذا الافتقار.
تتجلى هذه الظاهرة في حياتنا اليومية؛ حين يتحدث غير المختصين بثقة مطلقة عن الطب أو الاقتصاد أو السياسة، بينما يلتزم أهل التخصص الصمت، أو يتحرون الدقة والاحتياط فيما يطرحون من آراء وتحليلات، والسبب، كما تشير الأدبيات العلمية؛ أن الجاهل يجهل جهله، بينما العارف يدرك عمق ما لا يعرفه.
إن بداية الانحدار نحو الهاوية تبدأ من اللحظة التي يتوهم فيها المرء أنه قد بلغ من العلم مبلغا يبيح له التنظير والإفتاء في كل شأن؛ فذاك الوهم يقود إلى غياب التواضع المعرفي، الذي لا يُنتج ثقة فحسب، بل يُمهد طريقا طويلا من القرارات الخاطئة وسوء التقدير.
وتتجلى خطورة هذا التأثير في آثاره المجتمعية العميقة؛ إذ قد يؤدي إلى تصدر غير المؤهلين للمشهد العام، وتراجع صوت الكفاءة الحقيقية خلف ستار من التواضع المهني، وكذلك، تزداد فاعلية هذا الأثر حين ينتقل من المجال العام إلى بيئات العمل ومواطن اتخاذ القرار، حيث يُفضي اختلال تقييم الذات إلى قرارات مضللة ونتائج ضعيفة، تعكس غياب الأسس العلمية الدقيقة.
من هنا، فإن الوعي بهذه الظاهرة لا ينبغي أن يظل محصورا في الكتب والأبحاث العلمية، بل هو ضرورة لبناء ثقافة معرفية شاملة - مؤسسية ومجتمعية - تُعلي من شأن الكفاءة التخصصية، وتُقدر التواضع العلمي، وتُفرق بين الثقة التي تستند إلى علم، وتلك التي تُغذيها فجوات الجهل.
ختاما، لعل أنسب ما يُستحضر في هذا السياق، ما قاله سقراط قبل قرون، ولا يزال يُستشهد به حتى اليوم: "أعرف أني لا أعرف"، وهي العبارة التي تؤكد أن الاعتراف بحدود المعرفة هو أول عتباتها.
AbdullahAlhadia@
0 تعليق