نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الصحة النفسية في بيئة العمل: حجر الأساس للأداء المؤسسي, اليوم الأربعاء 2 يوليو 2025 05:37 مساءً
في بيئات العمل المعاصرة، بات من الضروري النظر إلى الصحة النفسية كعنصر أساسي في بناء مؤسسات قوية ومستقرة، وليس كجانب ثانوي أو ترف تنظيمي. فالصحة النفسية الجيدة تمثل القاعدة التي ينبني عليها الأداء الوظيفي المتوازن، وهي ما يحدد قدرة الموظف على الإبداع، التفاعل، وحل المشكلات.
تظهر تقارير منظمة الصحة العالمية أن اضطرابات الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب تكلف الاقتصاد العالمي ما يقارب تريليون دولار سنويا بسبب انخفاض الإنتاجية. هذه الأرقام لا تعبّر فقط عن تكلفة المرض النفسي، بل عن الأثر العميق لبيئات العمل التي تهمل الجانب النفسي لموظفيها، وتركز فقط على الأهداف الرقمية والنتائج الظاهرة.
وقد أكدت Harvard Business Review في دراسة مهمة أن الاحتراق المهني (Burnout) لا يرتبط دائما بكمية العمل، بل غالبا بثقافة المنظمة.
فعندما يفتقر الموظف إلى التقدير، أو يشعر بانعدام العدالة، أو لا يجد من يستمع إليه، تتراكم الضغوط النفسية وتتحول إلى توتر مزمن يؤثر على الحافز والأداء، وربما يؤدي إلى الانسحاب الصامت من المهام والمسؤوليات.
وعلى الجانب الآخر، تشير دراسة نشرت في Journal of Occupational Health Psychology إلى أن بيئات العمل التي تعتني بالصحة النفسية - من خلال دعم الموظفين، وتوفير قنوات تواصل آمنة، وتطبيق سياسات مرنة - تحقق نتائج أعلى في الاستبقاء الوظيفي والانتماء المؤسسي. هذه البيئات لا تكتفي بتقليل الغياب والاستقالات، بل تحفز الطاقات الكامنة وتعزز جودة العمل.
وتبرز دراسة Deloitte UK كواحدة من أبرز المراجع التي دعمت الاستثمار في الصحة النفسية بالأرقام؛ إذ أوضحت أن كل جنيه ينفق في هذا المجال يعود على المؤسسة بخمسة جنيهات من خلال تحسين الأداء وتقليل التكاليف المرتبطة بالتغيب والإجهاد الوظيفي.
وهنا يتقاطع هذا التوجه العالمي مع أهداف رؤية المملكة العربية السعودية 2030، التي جعلت من تحسين جودة الحياة أحد مساراتها الأساسية، وسعت إلى بناء بيئات عمل جاذبة ومحفزة ضمن قطاع حكومي أكثر كفاءة. كما تسهم المبادرات الوطنية في مجالات مثل جودة الحياة، وبرامج تعزيز الصحة، والتوعية النفسية في القطاعين العام والخاص، في تكريس مفهوم أن الموظف ليس مجرد رقم وظيفي، بل إنسان له احتياجات متكاملة.
إن الاستثمار في الصحة النفسية لا يعني بالضرورة ميزانيات ضخمة أو تعقيدات بيروقراطية. في كثير من الأحيان، يبدأ التغيير من تفاصيل بسيطة: قائد يستمع، نظام يُراعي التوازن، ثقافة تشجع على التعبير، وتقدير يمنح في وقته المناسب. هذه العوامل قد تكون الفارق بين بيئة عمل طاردة وبيئة تلهم أفرادها على العطاء.
في الختام، لا يمكن الحديث عن تطوير الأداء المؤسسي دون تضمين الصحة النفسية كجزء لا يتجزأ من استراتيجية التنمية الإدارية. فحين نهتم بالإنسان أولا، نحصد مؤسسات أقوى، وفرقا أكثر ولاء، ونتائج أكثر استدامة.
0 تعليق