انكشفت الجيوش، فتحكمت التقنية

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
انكشفت الجيوش، فتحكمت التقنية, اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025 08:34 صباحاً

منذ أن دقّت طبول الحرب البشرية الأولى، ظن الإنسان أن الزحف هو الإجابة والحل، وأن الجيوش بصفوفها وأرتالها وأسلحتها وصراخها وعتادها، ترسم خرائط الهيمنة وتؤكد الغلبة.

هذا حينما كانت الساحات تُقاس بطول المناورة والحصار، وبالتموين والسيطرة على المداخل والمخارج، والخنادق، والهجوم والتقهقر، وبمنجنيق يدمر المدن المنكوبة.

غير أن الزمن نفض يديه من غبار الماضي، فالتاريخ لا يُسعف المتأخرين في فهم التحوّلات العصرية وجدواها وحدود مناعة أمنها.

في عصرنا هذا، لم يعد للجند هيبة مهما تكتلوا، ولا حسم بالتقدم، وخابت الدبابة في تحديد هوية المنتصر.

الحروب الحديثة لا تعسكر خلف التخوم، ولا تُخوض الوحل والصحاري، بل ترتقي فوق سحب الموجات، في اختراقات وتجسس مميت خفي، يسبق إطلاقا وتفجيرا، ودمارا وإبادة تُتَرجم إلى تفوق دموي محرق.

حرب روسيا وأوكرانيا المتراوحة كشفت الحيرة بلا مواربة، واختصرت التحشيد بنتاج تكنولوجيا العقود الأخيرة، وتجارب التطوير والتحسين، حيث لم يَعُد جر الأسلحة الضخمة قادرا على الحسم، وغرقت الترسانة البحرية وسط أمواج القدرة، وسطّرت دروسا في تجريد الردع من معناه.

إسرائيل بكل تقنيات هيمنتها ومواجهتها مع إيران وأذرعها، وأمريكا بكلمة فاصلة من طائرتها الشبح بي 2، سطّرت درسا أشد وضوحا، امتهنت عمق إيران وأفشلت كل محاولات الردع.

حروب ثقة عن بعد، وتدمير قاتل، وتفريغ فكرة صناعة الجيوش الجرارة من أساسها.

لا عجب، فالحرب صارت شاشة ذكية، ولعبة بيادق تخيلية، وضغطات على أزرار الدمار.

الجيوش الكلاسيكية قد تحمي الحدود وتؤخر تفاقم الهجوم، ولكن تجمعاتها غدت كلفة وصخبا وتخلفا، وانكشاف خط أول لا يلائم الزمن الجديد.

الطائرات الشبحية، والمسيرة، وصواريخ الردع الذكية، والخلايا النائمة، والجواسيس، والفيروسات السيبرانية، أصبحت أدوات الحروب الحديثة المحكمة الموثوقة، بها تكون منعة الدولة، وبنقصها تستباح.

لم تعد المعارك تُخاض على الأرض، بل على تعاريج الوعي، والاتصالات، على الخوف الذي تكتب حتميته بذبذبات وإشعاعات، وتزرع في يقين الشعوب بطرق لا تُرى، ولكنها تجعل من فكرة الحرب التقليدية نكتة باهتة ترددها أعين الغد.

ما يحدث اليوم هو انقراض للمفاهيم القديمة، بانسحاب هادئ، وتفاعل مجنون، تفرضه التقنية والفكر الصناعي، وأمام هذا الطوفان لم تَعُد القوة البشرية سوى عدد لا يُرهب، وحشود تُصطاد كالحشرات، بشاشة إشعاعات حارقة تحقق الموت ببرمجة دقيقة.

القادم وإن لم يكن انسلاخا كاملا، ولكنه ضرورة تحور وتطور عسكري عاجل، وتحوّل فلسفي، يُعيد تعريف معاني الصراع ذاتها.

من لا يملك العقل، سيُهزم قبل أن يسمع صوت الانفجار الأول، ومن يظن أن تعداده وعدته وشجاعته ستمنحه السيادة، فهو واهم لا يستوعب استراتيجيات المعارك السحرية العصرية.

والكارثة أن الفناء لم يعد شيئا نخشاه حينما تندلع الحرب، كونه احتمالا يوميا واردا للغافلين عنه، حتى وإن ظنوا أنهم محميون بالجلوس على الحياد!

السلام نفسه صار حبكة استقراء واستشفاف، وقرارا تقنيا، يفرض أبعاده في صمت، بمنطق المعرفة الأصيلة والعمق، والتفوق والاستقلالية في صناعات الغد المحلية، ودون بهرجة شراكات مختلة تقيدها وتضعفها.

الحرب اليوم، حرب العقل، ومن لا يستوعب ذلك، ستنسى صرخة استغاثته، وسط غبار غيبوبة حسرة الساحات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق