نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
السردية الخفية في زمن الحرب الناعمة, اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025 10:16 مساءً
السردية ليست خبرا، بل رواية تُبنى، تبدأ أحيانا بسؤال بسيط يُطرح في بودكاست، ثم يصبح تلميحا في مسلسل، ثم يتحول إلى تقرير أجنبي يُستشهد به في مقالات الرأي، حتى تصبح هذه "الرواية" حقيقة بديلة يعيشها المتلقي دون أن يشعر. وتكمن خطورة هذه السردية في أنها لا تهاجمك صراحة، بل تعيد تقديمك للآخرين - ولنفسك - بطريقة مبتورة ومشوّهة.
هذه الحرب الناعمة تستهدف الوعي قبل أن تستهدف القرار، وتُراهن على تفكيك الشعور بالانتماء، بإحداث فجوة خفية بين المواطن وهويته، بين الشاب وتاريخه، بين الفتاة وولائها. لا يصرحون أن الوطن سيئ، بل يجعلونك تشعر بذلك من خلال قصص مختارة بعناية، وأمثلة مجتزأة، وصور مشوشة.
إن ما يجري ليس عشوائيا، بل هو مشروع سردي له أدواته ومخرجاته، فيُعاد في الإعلام تقديم صورة المجتمع السعودي عبر عدسة تغفل عمدا عن إنجازاته وتضخم عيوبه. وفي التعليم الذاتي (الذي يحصل عبر الإنترنت ومنصات التواصل)، تُبث رسائل مغلفة في ألعاب أطفال، أو حوارات ظاهرها المزاح وباطنها التشكيك. وفي المسلسلات والبرامج، تُكرس أفكار متكررة حول المرأة، أو الشباب، أو الحريات، لتبدو كأنها "حقائق"، بينما هي مجرد زوايا مختارة لتخدم سردية معينة.
هذه السردية تشتغل على مفاهيم نفسية دقيقة، تبدأ بتشويش الوعي الذاتي بجعل الإنسان ينظر لنفسه من وجهة نظر الآخر، فيفقد بوصلته، ويقع في صراع ذاتي داخلي بين ما يراه في واقع وطنه وما يقال عنه في خارجه، وتكريس فكرة أن الهوية الوطنية مهددة لهويته الاجتماعية. كما تعمل على تفكيك الجماعة المرجعية فتجعله يستسخف ويفقد ثقته في قيمه وموروثه ومجتمعه، وبالتالي يسهل توجيهه نحو بدائل أخرى.
في مواجهة هذه السردية، لا يكفي أن نقول إننا نحب الوطن، بل علينا أن نفهم كيف يُراد لنا أن نكرهه. فالمعركة اليوم هي معركة وعي، وصناعة المناعة النفسية تبدأ من تعزيز الوعي الذاتي والفخر بالهوية، وتنمية شعور المواطنة كقيمة واعية وليست مجرد شعارات.
الوطن ليس فقط حدودا نحميها، بل صورة نحملها في داخلنا، فإذا تشوهت تلك الصورة، ضاع الاتجاه.
لهذا فإن من أعظم صور الدفاع اليوم أن نروي نحن قصتنا... قبل أن يرويها غيرنا عنا.
0 تعليق