الديمقراطية ليست أفضل أشكال الحكم

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الديمقراطية ليست أفضل أشكال الحكم, اليوم الأحد 27 يوليو 2025 11:36 مساءً

منذ القرن العشرين، ساد الاعتقاد أن الديمقراطية هي الشكل الأمثل للحكم، وجرى الترويج لها باعتبارها ذروة التطور السياسي. لكن هذا الطرح يفتقر إلى التوازن حين يتجاهل نجاح أنظمة الحكم الوراثي (الملكي) في تحقيق الاستقرار والازدهار في عدة دول، بينما تواجه كثير من الديمقراطيات اضطرابات وفشلا ذريعا. المقال التالي يستعرض مقارنة بين النموذجين، ويعرض أمثلة حية من التاريخ والواقع.

السعودية، والإمارات، وقطر، والأردن كلها نماذج لملكيات عربية حققت استقرارا سياسيا وازدهارا اقتصاديا نسبيا خلال العقود الماضية، حتى وسط محيط إقليمي مضطرب. بالمقابل، نرى دولا ديمقراطية مثل لبنان والعراق بعد 2003، رغم اعتمادها على نظام انتخابي تعددي، لم تنجح في بناء مؤسسات مستقرة، بل غرقت في الطائفية والفساد والانقسامات.

الملك الحسن الثاني في المغرب كان يتمتع بذكاء سياسي ورؤية بعيدة المدى مكّناه من الحفاظ على وحدة البلاد خلال مرحلة الحرب الباردة والاضطرابات الداخلية، حيث جمع بين الحكم المطلق والحكمة السياسية. على الجانب الآخر، قادة منتخبون مثل بوريس يلتسين في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، أو زين العابدين بن علي في تونس، لم يقدموا أداء سياسيا يليق بالشرعية الانتخابية، بل قادوا بلدانهم نحو الضعف والانهيار رغم انتخابهم.

دولة مثل سنغافورة، رغم أنها ليست ملكية وراثية، إلا أن نظامها أقرب للقيادة المركزية من الديمقراطية الغربية المفتوحة، ومع ذلك حققت قفزات اقتصادية هائلة تحت قيادة لي كوان يو الذي حكم لسنوات دون منافسة ديمقراطية حقيقية. أما فنزويلا، فرغم ديمقراطيتها التعددية، سقطت في أزمة اقتصادية خانقة بسبب عدم استقرار الحكومات وتغير السياسات الاقتصادية كل دورة انتخابية، مما أضعف الاستثمار والثقة.

المملكة المتحدة مثال فريد لملكية دستورية تجمع بين رمزية الملكية وثباتها التاريخي، وبين بعض آليات الديمقراطية. العائلة المالكة تمثل وحدة البلاد، في حين تتغير الحكومات المنتخبة. في المقابل، أنظمة مثل أوكرانيا وتايلند عانت من تغيرات متكررة في السلطة، وثورات مضادة، وحكومات مؤقتة، بسبب فقدان المرجعية الرمزية الموحدة.

الملكيات في دول الخليج متوافقة إلى حد كبير مع النسيج الثقافي والقبلي والديني للمجتمع، ما يعزز شرعيتها ويقلل من خطر الانقسامات. أما عندما فرضت الديمقراطية بالقوة، كما حدث في ليبيا بعد 2011، فإن النتيجة كانت فوضى، صراعات مسلحة، وتدخلات خارجية، رغم تنظيم انتخابات.

في مقابل الجدل بين أنصار الديمقراطية وأنصار الملكية الوراثية، ظهرت نماذج هجينة تجمع بين الاثنين، وتقدم مزيجا متوازنا من الشرعية التاريخية والمشاركة الشعبية. هذه الأنظمة تستفيد من استقرار الحكم الوراثي، وتستوعب في الوقت ذاته حاجة المجتمعات الحديثة لصوت شعبي ورقابة مؤسسية.

المغرب: يجمع النظام بين ملكية وراثية قوية تملك صلاحيات تنفيذية، وبين مؤسسات برلمانية وأحزاب منتخبة. الملك يمثل رمزا للوحدة، بينما البرلمان يعبر عن تنوع المجتمع. وقد حافظ هذا التوازن على استقرار المغرب في حين انهارت أنظمة مجاورة خلال «الربيع العربي».

الأردن: نظام ملكي دستوري يخول الملك سلطات محورية، لكنه في الوقت ذاته يشرف على نظام ديمقراطي نسبي من خلال انتخابات برلمانية، مما يعطي هامشا للمساءلة ويشرك الشعب في الحياة السياسية.

الكويت: رغم أن الحكم وراثي، إلا أن البرلمان الكويتي يعد من أكثر المؤسسات التشريعية العربية جرأة واستقلالية، ما يجعل النموذج الكويتي فريدا في محيطه. يضمن استمرارية الدولة واستقرار الحكم حتى في فترات الأزمات. يمنح الشعوب فرصة التعبير والمشاركة دون أن يعرض الأمن الوطني أو وحدة المجتمع للخطر. يوفر رقابة شعبية مدروسة على الأداء الحكومي دون الدخول في فوضى حزبية أو استقطابات حادة.

إن أفضل الأنظمة ليست تلك التي تحمل اسما معينا - ديمقراطية أو ملكية - بل تلك التي تنتج نتائج فعلية: أمن، عدالة، تنمية، كرامة إنسانية. النماذج الهجينة تثبت أن الاستفادة من نقاط القوة في كل نظام ممكنة، وأن الشعوب لا تحتاج إلى أن تختار بين الاستقرار أو الحرية، بل يمكن تصميم نظم حكم مرنة تناسب الخصوصيات المحلية وتحقق التوازن العملي.

إن التجربة التاريخية والواقع المعاصر يثبتان أن الديمقراطية ليست النموذج الوحيد الصالح للحكم، بل قد تكون في بعض الأحيان عبئا على الاستقرار والتنمية. في المقابل، نجحت أنظمة الحكم الوراثي في تقديم نماذج للحكم الرشيد حين توافرت القيادة الحكيمة والمؤسسات الفاعلة. الأهم من شكل الحكم، هو محتواه وقدرته على تحقيق العدالة، والاستقرار، والازدهار، وتماسك المجتمع. فالحكم الناجح ليس من ينتخب فقط، بل من ينجز ويخدم شعبه بكفاءة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق