الصحة النفسية للقيادات: كيف يحترق القائد بصمت؟

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الصحة النفسية للقيادات: كيف يحترق القائد بصمت؟, اليوم الخميس 17 يوليو 2025 08:33 صباحاً

‏يبدو القائد في نظر فريقه ذلك الشخص الهادئ في العاصفة، الحاسم عند التردد، والمبادر في أوقات الجمود. نراه حاضرا في الاجتماعات، واثقا في التوجيه، سريع البديهة في الحلول. لكنه بعد انتهاء يوم العمل قد يعود مثقلا بالضغوط، يصمت كثيرا، يجهد في النوم، وقد لا يجد حتى مساحة للتنفيس عمّا يشعر به. هكذا... يحترق القائد بصمت.

تشير الدراسات إلى أن القيادات، لا سيما في البيئات الحكومية أو عالية المسؤوليات، معرّضة لما يسمى بـ"الاحتراق النفسي القيادي". وهو ليس مجرد تعب جسدي أو ضغط عمل، بل حالة من الاستنزاف النفسي العميق، تترافق مع انخفاض الحماس، وغياب التوازن، وشعور داخلي بالوحدة حتى في قلب الفريق.

يحترق القائد أكثر من غيره لأنه غالبا أسير لصورة ذهنية صارمة يُفترض أن يبقى بها أمام الجميع: "القدوة"، و"الملهم"، و"صاحب القرار". وبالتالي، لا يُتوقع منه أن يُظهر ضعفا أو يطلب دعما، حتى لو كان بأمسّ الحاجة إليه.
يُضاف إلى ذلك أن المسؤوليات تتراكم من الأعلى (الجهات العليا)، بينما التوقعات والمحاسبة تتزايد من الأسفل (الفرق والموظفون)، مما يضعه في موقع ضغط مزدوج.

ولأن طبيعة المواقع القيادية تفرض أحيانا نوعا من العزلة المهنية، يصعب عليه مشاركة مشاعره أو التعبير عن إرهاقه، مما يزيد من حدة الاحتراق.

يظهر هذا الاحتراق النفسي بأشكال هادئة، لا تلفت الانتباه في البداية: تراجع في التركيز، تقلبات مزاجية، فتور في المبادرة، عزوف عن التطوير، انسحاب من التفاعل الاجتماعي، أو حتى أعراض جسدية نفسية المصدر كالأرق وآلام الرأس والمعدة. للأسف، كثير من هذه المؤشرات تُساء قراءتها داخل المؤسسة، وقد تُفسَّر على أنها ضعف أداء، أو تراخٍ في القيادة، بينما هي في الحقيقة إشارات استغاثة نفسية مبطنة.

ولحماية القادة من هذا المصير الصامت، نحتاج إلى: تطبيع مفهوم "القائد الإنسان": القائد القوي ليس من لا يشعر، بل من يعرف متى يحتاج الدعم ويطلبه بثقة. توفير مساحات مهنية آمنة للتفريغ النفسي، بعيدا عن التقييم أو الإحراج. دمج برامج التوازن النفسي ضمن خطط تأهيل وإعداد القادة الإداريين. تعزيز العلاقات الإنسانية داخل بيئة العمل، عبر بناء دوائر دعم حقيقية على المستويين المهني والاجتماعي.

وفي هذا السياق، يبرز أداء سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - كنموذج حي لقائد عصري متوازن، يجمع بين الحسم القيادي والوعي الإنساني. فمن خلال رؤية 2030، لم يقتصر التحول على البنية الاقتصادية والمؤسسية، بل شمل الإنسان في جوهره، فكانت جودة الحياة والصحة النفسية ضمن الركائز التي تُبنى عليها المرحلة القادمة، مما يعكس بُعدا عميقا في فهم القيادة الحديثة وتأثيرها المستدام.

ختاما، حماية الصحة النفسية للقادة ليست خيارا ثانويا، بل شرط جوهري لبقاء المؤسسات حية، قادرة على اتخاذ القرار، وتحقيق الرؤية بكفاءة واتزان.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق