حمامة السوق وصيّاد الوهم... على منصة القضاء

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حمامة السوق وصيّاد الوهم... على منصة القضاء, اليوم الخميس 17 يوليو 2025 08:33 صباحاً

في زوايا السوق، حيث يُكتب الرزق بأنامل الأمل لا بحبر الذهب، كانت "أم رُبى" تشق طريقها كل صباح. لا تملك لافتة محل، ولا يتبعها إعلان، بل تبيع من مطبخ بيتها ما تصنعه من مخبوزات ومحاشي، تسوّقها بعبارات صادقة وصورة مشتهاة. لم يكن عملها تجارة في المفهوم الشكلي، بل كفاح يومي تُنفقه على أفواه سبعة أيتام، تنظر إليهم وكأنهم مرآة رسالتها في الحياة.

وجدت في تاجر من تجّار الجملة فرصة دعم واستمرار. كان يزودها بالبضاعة تلو البضاعة، ويقول بلغة الطمأنينة "سددي متى ما قدرتِ، أنتم أهل بركة".

تأخذ، وتبيع، وتُعيد له المبلغ نقدا... دون فاتورة، دون عقد، دون أي سند. كانت تظن أن اللين دليل الطيبة، وأن التعامل بلا ورق مظهر من مظاهر الثقة.
لكنه لم يكن كذلك.

فجأة، بدأ التاجر يلوّح بعرض آخر، لا يشبه فواتيره... بل يشبه نواياه. طلبها للزواج، مرارا، وبطرق متلونة. مرة بالمزاح، ومرة بالتلميح، وأحيانا بالضغط الناعم، يقلل الأسعار حين تبتسم، ويرفعها حين تتلكأ، وكأن العرض ليس شراكة حياة بل مساومة سلعة.

كانت تتهرّب... لا رفضا للتاجر كشخص، بل نفور من الخلط بين الرزق والمراودة.

وحين طال التجاهل، بدت فيه علامات الذئب الذي خلع جلد التاجر.
وما هي إلا أيام، حتى وصل إليها التبليغ القضائي على هاتفها:
دعوى قضائية، يزعم فيها أنها مدينة له بمبلغ يتجاوز تسعين ألف ريال، بلا وثائق، بلا إيصالات، بلا سجل، كأنما أراد أن يبتلعها باسم المديونية.

في قاعة المحكمة، جلست أم رُبى في جانب خافت من الضوء، لا تبكي، لكنها كانت تجفف شيئا لا يُرى. لم تحضر معها إلا هاتفها القديم، ومفكرة صغيرة، وكبرياء أم لم تتعلم إلا من مدرسة الحاجة.

سألها القاضي: "ما ردّكِ؟"
قالت بصوت لا يزاحم، لكنه لا ينكسر:
"سددت له كل ريال، نقدا... لكنه لم يعطني سندا. كنت أصدّقه، وأشكره، وأدعو له. ثم راودني عن نفسي تحت مسمى الزواج، وحين تهرّبت... حوّلني إلى خصم".

قال القاضي "ما بينتكِ؟"
قالت "لدي رسائل... رقمية. يقرّ فيها بوصول المبالغ، ويكرر طلبه لي، ويشير إلى أنه سيتنازل عن كل شيء إن وافقته".
وقدمت الهاتف، مطبوعا ومؤرّخا.

قرأ القاضي الرسائل:
"وصل المبلغ، جزاك الله خير".
"لو تريحيني وتوافقين، ما عاد أبي منك شيء".
"تكفين، بس قولي (نعم)، وأنا بتنازل عن كل ريال".

ثم التفت إلى المدّعي:
"هل تنكر هذه الرسائل؟"
فوجئ، تلعثم، تهرّب، ولم يقدّم أي رد معتبر.

ثم جاء الحكم:
"بعد التمحيص في الدعوى، وتقديم المدعى عليها رسائل صريحة متكررة من المدعي تتضمن إقرارا باستلام المبالغ، ومساومة مبطّنة قائمة على استغلال العلاقة التجارية، ولعدم تقديم المدعي ما يثبت مطالبته، فقد حكمت الدائرة: برد الدعوى، وثبوت براءة ذمة المدعى عليها من المطالبة محل النزاع، وأفهم الطرفان بحق الاعتراض خلال المدة النظامية".

خرجت أم رُبى من القاعة لا تحمل صكا فحسب، بل درس.
فلم تعد ترى السوق مكانا للكسب فقط، بل حلبة تحرسها الفواتير، لا العواطف.
وهي اليوم تحتفظ بكل ورقة، توثق كل دفع، وتقول:
"ما عدتُ حمامة تطير في غفلة، بل صرتُ نسرا... لا يحلق إلا بسند".

الرسالة للأسر المنتجة:
لا تتعاملي بالثقة وحدها، بل اجعلي القانون شريككِ في العمل.
اكتبي، وثّقي، واطلبي فاتورتك، حتى لا يُقلب رزقكِ إلى خصومة.
فمن لا يُحصّن نفسه بالبينات... قد يقع فريسة في يد من يعرف الثغرات.

expert_55@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق