نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أمريكا تدفع الفاتورة... لتقول للعالم: الإنفاق الصحي لا يكفي وحده, اليوم الأحد 10 أغسطس 2025 06:01 صباحاً
رغم ما يفترض نظريا من علاقة طردية بين حجم الإنفاق الصحي وتحسن المخرجات، إلا أن النموذج الأمريكي يقدم حالة مختلفة تستحق التوقف والتحليل؛ ففي بلد يعد الأعلى عالميا في حجم الإنفاق على الصحة، تكشف المؤشرات الأساسية عن نتائج دون المستوى، ويضع هذا النموذج تحت مجهر المساءلة العلمية والمنهجية.
وقد وقع اختياري على بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) مرجعا لهذا التحليل، لا لمكانتها كمؤسسة دولية موثوقة فحسب، بل لما تقدمه من مقارنات معيارية دقيقة بين دول تتقارب في قدراتها الاقتصادية وهياكلها المؤسسية؛ مما يمنح نتائجها قيمة تفسيرية عالية عند تقييم كفاءة النظم الصحية.
فوفقا لتقرير المنظمة لعام 2023، بلغ متوسط الإنفاق الصحي السنوي للفرد في الولايات المتحدة نحو 13,432 دولارا، مقارنة بمتوسط قدره 5,200 دولار في دول المنظمة، كما شكل هذا الإنفاق ما نسبته 16.7% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 9.7% في الدول المقارنة. ومع ذلك، لم يتجاوز متوسط العمر المتوقع عند الولادة في الولايات المتحدة 78.4 عاما، بينما بلغ في دول المنظمة 82.5 عاما.
ويكتسب التحليل عمقا إضافيا عند التوقف عند مؤشر سنوات العمر المفقودة (YLLs)، وهو من أكثر المؤشرات حساسية لفعالية النظم الصحية؛ إذ يظهر عدد السنوات التي تفقد من حياة الأفراد بسبب الوفاة المبكرة التي كان يمكن تجنبها، وتشير بيانات هذا المؤشر إلى تموضع متأخر للولايات المتحدة، يرافقه ارتفاع ملحوظ في معدلات وفيات الأمهات والرضع، على الرغم من وفرة الموارد وتقدم البنية التحتية الصحية.
هذه الفجوة اللافتة بين حجم الإنفاق وضعف المخرجات الصحية تعد اليوم محل نقاش علمي واسع، تتوزع فيه التفسيرات بين من يرجعها إلى قصور في العدالة التوزيعية، أو إلى خلل جزئي في النظام التأميني، أو إلى سلوكيات الأفراد وأنماط تقديم الرعاية، وصولا إلى تحليلات أعمق ترى أن جذور المشكلة هيكلية وترتبط بطريقة إدارة الموارد وتوزيعها داخل النظام الصحي، ويستدعي هذا التباين، من منظور علمي، التريث في إصدار استنتاجات قطعية أو تبني تفسيرات مبسطة قد تفضي إلى قراءة قاصرة.
وبدلا من الانشغال بإصدار الأحكام على النموذج الأمريكي، فإن الأجدر، في تقديري، تفكيك هذه المفارقة وتحليل جذورها بعمق؛ إذ تقدم هذه التجربة، برغم كلفتها العالية، درسا غنيا للمجتمع الدولي في تقييم كفاءة النظم الصحية واستخلاص أوجه القصور لتفاديها، وما أهدف إليه من طرح هذا الموضوع هو الدعوة إلى استقراء الدروس المستفادة من هذه التجربة، واستلهام مضامينها في تطوير السياسات الصحية بما يعزز كفاءة الإنفاق ويرفع فاعلية الأداء الصحي، لا سيما في ظل مرحلة التحول الراهنة.
ختاما، الرهان على الإنفاق دون ربطه بالمخرجات ليس سوى مغامرة مكلفة؛ قد تستنزف الميزانيات دون تحسن في جودة الحياة أو تعزيز فعلي في مؤشرات الصحة العامة.
0 تعليق